تحميل...

1975 -2025 خمسين عام على ذكرى وحدة فيتنام: من جراح الحرب إلى معجزة النهوض

خالد خليفة
نُشر: 10:45

في الثلاثين من نيسان/أبريل 1975، أعلن الشعب الفيتنامي، بقيادة "الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام" والجيش الشعبي الفيتنامي، تحقيق الوحدة الوطنية بين شمال البلاد وجنوبها، واضعًا حدًا نهائيًا لحرب دموية استمرت أكثر من عقدين، وانتهت بطرد القوات الأمريكية والحليفة لها من جنوب شرق آسيا. بهذا الإعلان، دخلت فيتنام مرحلة جديدة من تاريخها، حيث انتقلت من بلد مدمر مثخن بجراح الاستعمار والحرب، إلى دولة موحدة مستقلة، لتبدأ لاحقًا واحدة من أنجح التجارب التنموية في آسيا والعالم.

لم تكن وحدة فيتنام مجرد تتويج لانتصار عسكري، بل كانت حلمًا وطنيًا تاريخيًا سعى إليه الفيتناميون منذ تقسيم البلاد في أعقاب مؤتمر جنيف عام 1954، الذي أعقب هزيمة فرنسا في معركة ديان بيان فو. غير أن التدخل الأمريكي والدعم الهائل الذي تلقته حكومة الجنوب جعل من إعادة التوحيد هدفًا بعيد المنال لعقود.

لكن بعد تكبيد الولايات المتحدة خسائر بشرية هائلة فاقت الـ 175 ألف قتيل أمريكي بين عامي 1954 و1975، واستنزاف قدرات واشنطن العسكرية والمعنوية، انهار النظام المدعوم أمريكيًا في سايغون، ودخلت قوات الشمال العاصمة دون مقاومة تُذكر، ليرتفع علم الوحدة فوق القصر الرئاسي، ولتبدأ فيتنام عهداً جديداً من السيادة الكاملة على أرضها.

كان دافع الوحدة الأساسي هو استعادة الكرامة الوطنية، وإنهاء الانقسام الذي فُرض بفعل التنافس الدولي خلال الحرب الباردة، وبناء دولة مستقلة موحدة، حرة من الاحتلال والتدخل الخارجي.

بعد الحرب، ورغم الدمار الشامل، لم تستسلم فيتنام للفقر أو العزلة. بل شرعت في إعادة بناء مؤسساتها المدنية والسياسية والاقتصادية من الصفر. أُعيد تنظيم الدولة على أسس اشتراكية مبدئيًا، لكنها في نهاية الثمانينيات تبنّت سياسة إصلاح اقتصادي واسعة تُعرف باسم "دوي موي" ((Đổi Mới)، والتي جمعت بين التخطيط المركزي والانفتاح التدريجي على السوق، مما أدى إلى جذب الاستثمارات، وخلق بيئة أعمال منافسة، وتحقيق معدلات نمو فاقت 6% سنويًا لعقود.

استثمرت فيتنام في البنية التحتية، والتعليم، والرعاية الصحية، والتصنيع، والتكنولوجيا، وأصبحت مركزًا رئيسيًا لإنتاج الإلكترونيات، النسيج، والمنتجات الزراعية، كما لعبت دورًا بارزًا في التجارة العالمية من خلال اتفاقيات ثنائية ومتعددة الأطراف.

نمر آسيوي وتأثير دولي

بعد مرور خمسين عامًا على الوحدة، تحوّلت فيتنام من رمز للدمار والحرب إلى نموذج اقتصادي ملهم. بلغ ناتجها المحلي الإجمالي أكثر من 400 مليار دولار، وأصبحت عضوًا مؤثرًا في رابطة دول جنوب شرق آسيا ((ASEAN)، وتتمتع بعلاقات اقتصادية متينة مع القوى الكبرى مثل الصين، الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي.

كما تلعب فيتنام دورًا متزايدًا في سلاسل الإمداد العالمية، وبرزت كمنافس إقليمي للصين في بعض القطاعات الصناعية، إلى جانب مساهمتها المتنامية في الجهود الدولية المتعلقة بالتغير المناخي، والتنمية المستدامة، والأمن البحري في بحر الصين الجنوبي.

إن تجربة فيتنام تقدم درسًا عالميًا حول قوة الإرادة الوطنية، وفاعلية الاستثمار في الإنسان، وقدرة الشعوب على تحويل الجراح إلى إنجازات. ففي خمسين عامًا فقط، انتقلت من بلد مفكك يعاني من الاحتلال والانقسام إلى دولة موحدة، مزدهرة، وذات سيادة كاملة، لها موقعها في خريطة الاقتصاد العالمي، ومكانتها بين الأمم.

في ذكرى إعلان الاستقلال والوحدة، تضيء فيتنام شمعة أمل للشعوب الساعية إلى الحرية والتنمية، وتُثبت أن طريق الكرامة، وإن كان شاقًا، يمكن أن يقود إلى المعجزات.

...