تحميل...

من أجل سلام حقيقي: دعوة إلى ضمير المجتمع اليهودي

محمد دراوشة
نُشر: 21:42

كمواطن عربي يعيش في هذه البلاد، أحمل في قلبي حلمًا بسيطًا لكنه عميق: أن نعيش جميعًا، يهودًا وعربًا، في وطن واحدة يسوده السلام والاحترام المتبادل، والمساواة السياسية والاجتماعية. هذا الحلم لا يمكن أن يتحقق ما لم يواجه المجتمع اليهودي خطرًا داخليًا يهدد نسيجه الأخلاقي والإنساني: خطر العنصرية التي يمارسها عددٌ متزايد من قادته السياسيين والدينيين، والتي لا تسيء فقط للعرب، بل تسيء لليهود أنفسهم.

إن من يروج للكراهية ضد العرب، أو يشرعن التمييز العنصري في البلاد، لا يخدم مستقبل إسرائيل ولا أمنها. بل يزرع بذور الانقسام، ويقوض أسس الديمقراطية، ويعزل الدولة عن العالم، وعن قيمها التأسيسية. لا يمكن بناء سلام حقيقي على أساس الإقصاء، ولا يمكن تحقيق أمن دائم في ظل الظلم والاستعلاء.

اليهودية، كديانة وكهوية، مثلها كباقي الأديان السماوية، تحمل في جوهرها قيم الرحمة والعدالة. لكن عندما تُستخدم سياسياً وتحرف لتبرير التمييز أو التحريض، فإنها تفقد بريقها الأخلاقي، وتتحول إلى أداة للهيمنة بدلًا من أن تكون منارة للسلام. هذا ليس تهديدًا للعرب فقط، بل تهديد لليهودية نفسها، ولصورتها أمام أبنائها انفسهم وأمام العالم.

وللأسف، لا تقتصر هذه العنصرية على الهامش، بل تصدر في السنوات الأخيرة بكثرة من شخصيات في قلب المؤسسة السياسية. إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي، دعا مؤخرًا إلى “استئناف القتال في غزة بأقصى قوة”، معتبرًا أن أي محاولة للتفاوض مع الفلسطينيين هي “أوهام زائفة”، مجاولاً شيطنة الفلسطينيين، ولكنه لا يشيطن إلا نفسه. أما بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية، فقد طالب علنًا باستئناف العمليات العسكرية في غزة، وسبق أن برّر خطوات تُوصف دوليًا بأنها تطهير عرقي. هذه التصريحات ليست مجرد مواقف سياسية، بل تعكس فكرًا دينيًا-قوميًا متطرفًا يرى في الفلسطينيين تهديدًا وجوديًا، ويشرعن العنف ضدهم كوسيلة مشروعة، لا بل وتصفيتهم حتى لو اعتبر الأمر إبادة جماعية، وجريمة حرب.

هذا الخطاب لا يبقى محصورًا داخل إسرائيل، بل يتردد صداه في أنحاء العالم، ويغذي مشاعر العداء لليهود في المجتمعات الغربية والشرقية على حد سواء. وقد دفعت هذه التصريحات 29 دولة أوروبية إلى إعلان بن غفير وسموتريتش “شخصيتين غير مرغوب فيهما”، ومنعهما من دخول أراضيها بسبب تحريضهما على العنف وتوسيع الاستيطان. كل تصريح متطرف، كل فعل إقصائي، يتحول إلى مادة في أيدي من يروجون للاسامية، ويستخدمونه لتبرير كراهيتهم لليهود، وكأنهم يقولون: “انظروا كيف يتصرفون حين تكون بيدهم السلطة”.

لكن الأخطر من ذلك، هو الأثر الذي تتركه هذه السياسات والخطابات في العالم العربي. فكلما تصاعدت العنصرية ضد المواطنين العرب داخل إسرائيل، وكلما تم ترويج العنف ضد الفلسطينيين كفكر ديني-قومي مشروع، تآكلت فكرة التعايش، وتراجع الأمل بإمكانية بناء مستقبل مشترك. المواطن العربي في الدول المجاورة، الذي كان يتطلع إلى السلام، بات يرى في إسرائيل، من خلال متابعة هذه الخطابات، نموذجًا للعداء، لا للشراكة. وهذا الانطباع لا ينبع من الإعلام فقط، بل من تصريحات رسمية، ومن ممارسات على الأرض، ومن منظومة سياسية تشرعن العنصرية وتحتفي بالقوة على حساب العدالة.

أدعو العقلاء في المجتمع اليهودي إلى وقفة تأمل. إلى أن يسألوا أنفسهم: هل هذه هي الدولة التي حلم بها مؤسسوها؟ هل يمكن أن تكون إسرائيل وطنًا آمنًا لليهود وهي تهمش مواطنيها العرب؟ وهل يمكن أن نحقق السلام ونحن نغذي الكراهية؟

أنا لا أطلب امتيازات، بل أطلب شراكة إنسانية. أطلب أن نرى بعضنا البعض كبشر، لا كأعداء. أطلب أن نربي أبناءنا على الاحترام، لا على الخوف. وأدعو كل من يؤمن بالسلام إلى أن يرفع صوته ضد العنصرية، لأنها لا تحمي أحدًا، بل تجرّ الجميع نحو الهاوية.

السلام ليس شعارًا، بل مسارًا. ومسؤولية تحقيقه تقع على عاتقنا جميعًا. فلنبدأ بمواجهة العنصرية وتعليم مبادئ الديمقراطية الحقيقة المبنية على المساواة السياسية والاجتماعية.

...