تحميل...

سَنَاءُ المَبْدَأِ 

خالد عيسى
نُشر: 20:26

سَنَاءُ المَبْدَأِ 

في أوّل الضوء،

حين كان الصمتُ يبحث عن نغمةٍ ليصيرَ كونًا،

انبثقتْ ذرةُ معنى،

ونادَى النورُ المبدأَ: انهضْ، 

فلتتعلمِ الأرضُ كيفَ تنبضُ بالمعنى.

تدلّت الكواكبُ من رحمِ الغيب،

وتنفّسَ الوجودُ في فمِ الغياب،

فارتجفتْ الأرواحُ كأنها تذكّرتْ عهداً قديماً.

أنا من ذلكَ العهد.

كنتُ ظلًّا في فكرةٍ،

ثمّ صرتُ جسدًا يسيرُ بين احتمالاتِ الطين،

أبحث عن اسمي الضائعِ في زحامِ النبض.

المبدأُ؟

هو أن تُصلّي بلا صلاة،

أن تنصتَ لما لا يُقال،

أن تُؤمنَ بالريح وهي تعبرُ صدركَ ككلمةٍ أولى.

رأيتُ السرَّ في انعكاسِ قطرةٍ،

كأنَّ العالمَ انطوى فيها ليتنفسَ سِرَّه،

ورأيتُ وجهَ الوجودِ يبتسمُ في صمتِ الماء.

وفي تعبِ الحرف،

وفي وجهِ أمّي حين وضعتْ الخبزَ على النار،

وفي الحنينِ الذي يشبهُ الدعاء.

كلّ ما ليس من النورِ — صدأ.

كلّ ما يُقال دون حبٍّ — غبار.

والخوفُ خيمةٌ أُقيمت فوقَ نهرٍ من يقينٍ،

لا يراه إلّا من غرقَ فيه طائعًا.

يا أنا،

أيّها الكائنُ الموشومُ بالانتظار،

لا تسألْ الطريقَ عن جهةٍ،

فالمسافةُ أنت، والغايةُ أنت،

والمبدأُ هو المرآةُ التي تتنفّسُ فيك.

أرأيتَ كيفَ تتكوَّنُ الهويّة؟

إنها ليست علمًا،

بل برقٌ في ليلِ الوعي،

لحظةُ كشفٍ حين يتذكّرُ الطينُ أنهُ من نورٍ نُسيَ في التراب.

كلّ خيبةٍ جناحٌ لم يكتمل،

وكلّ نجاحٍ مرآةٌ خرساء.

النورُ الحقيقيّ لا يسكنُ الفوزَ،

بل التجلّي.

أمشي على حدِّ المعنى،

أتعثّرُ بأفكاري،

لكنّني أرى،

أرى ما لا يُرى،

وأسمعُ ما لم يُخلَقْ بعد:

صوتَ المبدأِ يُناديني من وراءِ الزمان:

“عُدْ، فكلُّ البداياتِ كانت فيكَ.”

...