متنفَّس عبرَ القضبان (151)
بدأت مشواري التواصليّ مع أسرانا الأحرار رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019 (مبادرة شخصيّة تطوعيّة، بعيداً عن أيّ أنجزة و/أو مؤسسّة)؛ ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيارة؛
تمّ منعي من الزيارات، وتم لاحقاً إبطال المنع بعد اللجوء إلى القضاء.
هناك محاولات بائسة لشيطنة المبادرة ممّا زاد إيماني بما قاله تشي جيفارا "أنا لا ألوم الذين لا يعملون...ولكنّي ألوم الذين يحزّ في أنفسهم أن يعمل الآخرون".
أواكب حرائر الدامون وأصغي لآلامهن وآمالهن وأحلامهن بالحريّة، وأدوّن بعضاً من معاناتهن.
أتصل من بوابة الدامون مباشرة بأهالي من تم قمعهن والاعتداء عليهن، وبعدها بأهالي من التقيتهنّ، وأوصل بعدها رسائل باقي الأسيرات؛
حاولت إيصال أوجاعهن وآلامهن وآمالهن لكلّ حدب وصوب عبر "التحالف الأوروبي لمناصرة أسرى فلسطين" وناشطين أوروبيين، بعيداً عن الشجب والاستنكار وتحميل المسؤولية المؤسّساتي المقيت؛
وزادت قناعتي أن صمتنا عارُنا. عقّبت شذى ماجد حسن (أخت الأسيرة شهد): "جهودك مشكورة أستاذنا، وقفتك النبيلة مع شهد وأسيراتنا الحبيبات ومساندتك لهنّ، محل امتنان كبير، بارك الله في علمك وجهودك، وجزاك خير الجزاء واللهمّ فرج قريب للحبيبة شهد وجميع أسيراتنا وأسرانا".
وعقّبت الأسيرة المحرّرة حنين جابر: "حبيبتي شهد يا حنونة، إن شاء الله الفرج قريب، بإذن الله رغم القمع المستمر، دائما تكون معنوياتهنّ عالية ضحكتهن ما بتفرقهن قاهرات السجان بإذن الله. بوركت جهودك أستاذ حسن، الفرج قريب بإذن الله لجميع أسرانا وأسيراتنا".
وعقّب محمد فكري: "رغم القمع داخل السجون الأسيرات الفلسطينيات شجاعات وصامدات يلقنّ العدو درسا في الصمود وحب الوطن. التحية لكل الأسيرات البطلات في سجون العدو المحتل، وتحية لك أستاذ لما تقوم به من مجهود لنقل وضعية هؤلاء الأسيرات للرأي العام، فرغم القمع الهمجي هن صامدات".
وعقّب عماد عبد الله (والد الأسيرة المحررة رماء": "وها. حكاية جرح جديد. شهد فك الله بالعز أسرك. كل أسيره لها حكايه وألف ألف حكاية.... حكاية شوق أم حكاية أسر. أم حكاية عذاب وما أكثره وألوانه المتعددة. لا أعرف متى تنتهي حكايات الظلم والعذاب.... وعسى أن يكون قريبا... لكن لنا ظهر خفف وواسى ألمنا. هو الأستاذ حسن عبادي أسد هذه القضية وراعيها... أدام الله العزة والصحة لك أستاذنا الكريم......"
وعقّبت الصديقة فاطمة جوهر من الشتات: "اللهم كن للأسيرات معينا ونصيرا هذا وضع يعجز عن تحمله الرجال حسبنا الله ونعم الوكيل، أرجع بذاكرتي للجزائر كيف أمضوا مائة وثلاثين عاما تحت الاحتلال الفرنسي وعانت الحرائر ما هناك ما عانين، الشعب الفلسطيني قدم ولا يزال يقدم الشهداء من خيرة أبنائه... اللهم جبرا بحجم الصبر والهوان والمذابح التي ذاقها شعبنا، اللهم فرجا لهيام وجميع الأسيرات والأسرى، ندعوك دعاء المستجير بكرمك الطامع بعفوك لقد بلغ السيل الزبى من عدو لا يرحم، نتوسل إليك يا الله أن تفرج كربهن وتخرجهن من هذا الجحيم.. ودائما الشكر موصول للأستاذ المحامي صاحب اليد الطولى الممتدة بالمعروف والعمل الخيري للأسيرات وأهاليهن فأسال الله أن لا يقع في ضائقة، ولا يمر في محنة، وأن يظل عونا لكل مضطهد وسندا لكل مظلوم".
وعقّب الدكتور موسى عمايرة: "كيف للكلمات أن تُنصف ما تفعله؟ حين تعبر بوابات السجن حاملاً معك نبض قلوبنا المتعبة، تحمل أكثر من سلام وخبر وقصة... تحمل أرواحنا المعلقة بين جدران الأسر، تحمل دموع الأمهات التي لا تجف، وحنين الأطفال لأصوات لم يسمعوها منذ زمن. زيارتك ليست مجرد زيارة...هي جسر بين عالمين: عالم خلف القضبان يسوده الظلام والترقب، وعالم خارجها تسكنه قلوب محطمة تنتظر همسة طمأنينة. حين تجلس أمامها، تُعيد إليها شيئاً من إنسانيتها المسلوبة، وحين تعود إلينا بأخبارها، تُعيد إلى صدورنا شيئاً من الأمل الذي كاد أن يُسلب. الأسيرة قصتها... قصتنا... قصة أمة بأكملها.... قصة حُبلى بالألم، مثقلة بالوجع، لكنها -بفضل الله ثم بفضل أمثالك -لا تزال تنبض بالأمل. كل تفصيلة تسردها لنا عنها تُحرك في نفوسنا ما لا يُوصف: فرح ممزوج بدموع، اطمئنان مشوب بحسرة، شوق يهيج الحنين حتى يكاد القلب أن ينفطر.
أستاذ حسن أنت لست محامياً فقط... بل أنت رسول الطمأنينة، أنت همزة الوصل بين القلوب المتباعدة، أنت من يُخفف عن الأسير وحشة الزنزانة بكلمة طيبة، وتُخفف عن الأهل لوعة الفراق بخبر يشفي الصدور ولو قليلاً.فكلمة شكراً لوحدها لا يكفي، ولا تفي بحقك الحروف.. لكنه كل ما نملك. شكراً لأنك تحمل همّنا وكأنه همّك، ووجعنا وكأنه وجعك. شكراً لأنك لم تدع الظروف القاسية تُطفئ في قلبك جذوة الإنسانية.
بوركت جهودك، وبوركت خطواتك، وبورك فيك أينما كنت.
من قلوب تعتصرها اللوعة، ومن أرواح تتعلق بالأمل. "..
" جابوا كلب يلفّ حوالينا "
زرت صباح الخميس 28.08.2025 سجن الدامون في أعالي الكرمل السليب الأسيرة شهد ماجد عبد المجيد حسن (مواليد 10.08.2002) من دير السودان/ رام الله، معلّمة لغة عربية في المدارس الإنجليزية برام الله، رهن الاعتقال من فجر 05.03.25، وكان هذا القاء الثاني بها.
وصّلتها بداية سلامات الأهل، وخاصّة سما، وحين سمعت الاسم بدأت بنحيب فرح. حين ذكرت لها اسم يوسف (بجنّن بشوش الوجه) سرحت بعيداً وقالت "كان عمره يوم ونص لما اعتقلوني. كان شهد بغرفة 3 (برفقة تهاني أبو سمحان (أسبوع وبتخلّف)، رهام موسى، بنان أبو الهيجا وفداء عساف/ مريضة السرطان).
الوضع في الدامون لا يُطاق، أصعب بكثير ممّا كنّا نسمع، الفورة ربع ساعة تشمل حمام، الأشناب مسكّر كل الوقت وبفتح بس للوجبات، قمعات متتالية؛ الوضع مش أحسن شي. (في يوم عيد ميلادي 10.08 كنت خوليا، بعد توزيع الفطور إجت قمعة على السجن، غرفتنا وغرفة 2، قعّدونا بالساحة وجابوا كلب يلفّ حوالينا. بعد توزيع الغذاء دخلت الغرفة وكانت البنات محضّرات لي كعكة، أحسن محلّ ما بعمل زيّها. عيد ميلاد لا يُنسى).
الرطوبة قاتلة. الأكل قليل جداً. الملابس شحيحة وصرنا نتحمم مرّة باليومين نستنى الملابس الداخلية تنشف. نفسها من يوم ما دخلنا السجن.
قمعات غرفة 5 متكرّرة. التفتيش المهين جداً لكلّ البنات. مبارح حرموا دلال من فورة وحمام لأنها لمحت بنتها إسلام ومرحبَت عليها من بعيد.
طلبت إيصال سلاماتها وأشواقها للأهل، "مستثمرة الفترة أحلى استثمار، كل الوقت مع القرآن. يقيناً اللي دخل المدرسة اليوسفية ما بيخرج منها صفر اليدين"، حبيباتها تسنيم وشيماء وشذى (أختها؛ يا روحي، أحلى خبر سمعته إنه طفلة جديدة جاية على عيلتنا، غلاوتها رايحة تكون مضاعفة لأنها بنتك) سلسبيل وشذى (خطيبة أخيها)، أخوتها؛ عبيدة وأمجد ومحمد وعبد المجيد، وأزواج خيّاتها إصرار وعمران وعبد الكريم – مشتاقة لكم كثير. أكيد عاملين محور الحديث "نكشة العيلة". إن شاللة لمّاتنا بترجع عن قريب.
وسلامات لعمّاتها وخالتها نادية ونسوان خوالها وولادهم كلهم.
ولم تنسَ صاحباتها (16 صاحبة، وخصّت بالذكر مرام –آنستيني داخل جدران هذا السجن، وميس/ أم شهد – أيقنت أن الوصل الحقيقي هو وصل الأرواح ومستشعرة دعاءك جدا)، وبنات مجلس القرآن، وبنات لقاء السبت.
ضعفانة 10 كيلو، فحص الدم ممتاز ومتحسّنة جداً بالتجويد.
طلبت إيصال سلامات الصبايا لأهاليهن؛ ربى دار ناصر، فاطمة منصور، عائشة عبيات، فاطمة جسرواي، كرم موسى، شيماء خازم، دلال الحلبي (شو تفاصيل محمد؟ وسلام للكل)، إيمان الشوامرة، إسلام، ولاء طنجي، بنان، بشرى قواريق، ميسون (أخذوا إسوارتها وخبّروها مش موجودة بالأمانات؟) وسامية (أخذوا سنسالها وخبّروها مش موجودة بالأمانات؟ وقلقانة).
تحرّرت شهد من الأسر يوم الاثنين: 3 تشرين ثاني 2025
" هل رفعتوا المس فلورا "
بعد لقائي صباح اليوم في سجن الدامون في أعالي الكرمل السليب بشهد، أطلّت الأسيرة هيام حكمت مصطفى شحادة (مواليد 21.09.1972) من حوارة، والدة الشهيد الطيّب، جدّة لهيام، رهف ووليد، كنان وركان وريان، روز وسناء.
وصّلتها بداية سلامات الأهل، زوجها ووالدتها خديجة وأبنائها الاثنين وبناتها الأربع، (يحدثون حفيدتك هيام الصغيرة عنك دائما ويرونها صورك فأصبحت تشتاق جدتها هيام وتنتظرها لتكبر تحت ظلّها تحظى بحنانها وتتباهى باسمها) فانفرجت أساريرها وتروحنت.
هيام بغرفة 4 (برفقة سهام أبو سالم/ غزة، ميسون مشارقة، سامية الجواعدة، شاتيلا أبو عيادة، إباء الأغبر وولاء حوتري).
اعتقلت مساء 21.06.2025، ع الحداش بالليل، جنود كثار ممليين الشارع، كلّه بوستات، أخذوني عالعيزرية، وبعدها 40 يوم بالمسكوبية، جهنّم، وليلة بالشارون والدامون.
الوضع في الدامون مأساوي. تنقّلات كلّ الوقت، توتّرات، زهقانين، رئيس القسم بيجي ع الستة الصبح وبعمل حركات وشو بالقسم، شوفوني يا ناس.
صياح وتجويع وتنكيل، بس الحمد لله ولاء طنجي طلعت من العزل.
طلبت إيصال سلامات الصبايا لأهاليهن؛ شاتيلا (سلام لإمها وبتعايد عليها بيوم ميلادها، العمر المديد في طاعة الرحمن)، آية (خلّي ولادها يواظبوا على صلاتهم)، سامية وميسون (شو مع المحكمة؟)، إباء، ولاء طنجي.
طلبت إيصال سلاماتها للأهل، زوجها وأمها وولادها، ولكنّتها رؤيا، (حلمت بسلفي/ أستراليا)، سلام لقرايبي بالأردن ومبارك نجاح التوجيهي، ومبارك لابن أختي بالتوجيهي.
ولبناتها وولادهن وأزواجهن.
وسلامات لإخوتها وخواتها وكل واحد بسأل عنها، وبارك لخديجة بنت أخوي.
وآلاء تستناني وما تتزوّج قبل ما أطلع.
والله نسيت المرض والوجع. بدّي أروّح.
بالله عليك إسأل عز الدين: "هل رفعتوا "المس فلورا"؟ تنسوش".
الحريّة لجميع أسرى الحريّة.
حيفا آب 2025