تحميل...

هل مازال سلاح حماس قادرًا على التأثير في معادلة الصراع؟

فاضل المناصفة
نُشر: 02:05

عاد ملف نزع سلاح حماس ليتصدر النقاش السياسي، مع ترجيحات بأن يكون بندًا رئيسيًا في أجندة اللقاء المرتقب بين بنيامين نتنياهو ودونالد ترامب ضمن مقاربة أوسع لمستقبل غزة. في المقابل ترتفع الأصوات داخل حماس ومحور المقاومة بمواقف رافضة لهذا الطرح معتبرينه تجاوزًا لحق مشروع بموجب القانون الدولي، لكن السؤال الذي يطرح نفسه وسط فوضى التصريحات والأحداث المتسارعة ...هل بقي لسلاح المقاومة القدرة على تحقيق الردع والتوازن الذي كان عليه الوضع ما قبل السابع من أكتوبر ؟ 

بعيدًا عن الجدل النظري حول مشروعية سلاح المقاومة ودوره المعلن في معادلة الصراع، يفرض الواقع سؤالًا أكثر مباشرة: ماذا راكم هذا السلاح فعليًا خلال السنوات الماضية؟ وهل نجح في تعديل قواعد الاشتباك، أو في فرض كلفة سياسية وأمنية مستدامة على إسرائيل أم أنه بقي في حدود فعلٍ رمزي يعبّر عن الرفض أكثر مما يغيّر موازين القوة؟

لا يمكن تجاهل أن نتائج المواجهات المتكررة انعكست في كثير من الأحيان على الفلسطينيين أنفسهم، سواء من حيث الخسائر البشرية أو تآكل القدرة على الاحتمال في مجتمع يعيش أصلًا تحت ضغط الحصار والحرب. وهو ما يفتح باب التساؤل عمّا إذا كان هذا السلاح قد شكّل أداة ردع حقيقية، أم أنه أسهم، من حيث النتيجة، في تعميق كلفة الصراع على الطرف الأضعف فيه.

بعض المقاربات تصف القدرات العسكرية لحماس على أنها ما تزال قابلة لإعادة قلب موازين الصراع، حتى بعد المواجهة التي بدأت في السابع من أكتوبر، غير أن متابعة مجريات الحرب خلال الأشهر الماضية تطرح سؤالًا أكثر تحديدًا: ما الذي تبقّى فعليًا من هذه القدرات، وكيف بدت وظيفتها على أرض الميدان؟

باستثناء عملية السابع من أكتوبر، التي شكّلت ذروة غير مسبوقة في تاريخ المقاومة من حيث التخطيط والتنفيذ، لم تُظهر الوقائع الميدانية قدرة مستدامة على الانتقال من موقع الدفاع إلى الهجوم، ولا على إلحاق أضرار استراتيجية متراكمة بإسرائيل، بل إن تأثير السلاح، كما عكسه مسار الحرب بقي محصورًا في نطاق محدود مقارنة بحجم الردّ وكلفته.

وإذا كانت تلك العملية تمثل الحدّ الأقصى لما أمكن تحقيقه، فإن السؤال لا يعود متعلقًا بإمكانية تكرارها، بل بحدود القدرة العسكرية ذاتها. فهل تكفي هذه القدرات، في ميزان القوى القائم لفرض وقائع جديدة، أم أن توصيفها بوصفها قدرات محدودة بات أقرب إلى القراءة الواقعية للمشهد؟

أفرزت عملية السابع من أكتوبر واقعًا مختلفًا عمّا سبقها، لا على مستوى قطاع غزة وحده، بل على مستوى الإقليم ككل. فقد تغيرت قواعد الاشتباك واتّسعت دائرة التداعيات السياسية والأمنية، بما جعل البيئة المحيطة بالصراع أكثر تعقيدًا وأقل قابلية للعودة إلى ما كانت عليه، في هذا السياق يبدو التعامل مع حركة حماس بوصفها طرفًا قادرًا على موازنة إسرائيل المدعومة أميركيًا في ظل إدارة دونالد ترامب، قراءة تتجاوز المعطيات القائمة، فاختلال ميزان القوة لم يَعُد مسألة تقدير نظري، بل بات عنصرًا حاسمًا في رسم مآلات الصراع وحدود الخيارات المتاحة أمام مختلف الأطراف.

حين يتحدث القيادي في حركة حماس خالد مشعل، في تصريحاته الأخيرة، عن سعي المقاومة إلى بناء صورة تضمن عدم تجدد الحرب بين غزة وإسرائيل، فإن هذا الخطاب يفترض ضمنًا امتلاك أدوات قادرة على إعادة فرض معادلة ردع جديدة، غير أن الوقائع التي أفرزتها الحرب تضع هذا الافتراض أمام اختبار صعب، فالبيئة الإقليمية التي كانت تُستدعى بوصفها عمقًا داعمًا للمقاومة لم تعد على حالها. إذ بدا أن المحور الذي امتد، لسنوات، من إيران مرورًا بسوريا وصولًا إلى لبنان، قد تآكلت قدرته على العمل كجبهة متماسكة، بفعل تداعيات عملية السابع من أكتوبر وما تلاها. وفي هذا المشهد، ظهر قطاع غزة، ومعه حماس، في موقع معزول عمليًا خارج قواعد اللعبة الإقليمية التي كانت قائمة قبل الحرب.

بعيدًا عن السخرية أو المبالغة، يضع الواقع الميداني والسياسي سؤالًا لا يمكن القفز فوقه: ما الذي تملكه حماس فعليًا اليوم بما يسمح لها بالتأثير في معادلة «اليوم التالي» للحرب؟ وهل ما يزال سلاح المقاومة في صورته الراهنة، يشكّل عنصر ضغط حقيقيًا على إسرائيل؟

وبغض النظر عمّا إذا كانت الحركة لا تزال تحتفظ بجزء من مخزونها العسكري داخل قطاع غزة، فإن قدرتها على إلحاق ضرر مؤثّر بالطرف الآخر تبدو محدودة في المقابل، كانت انعكاسات هذا السلاح على الفلسطينيين أنفسهم أكثر وضوحًا، كما عكسته مشاهد الحرب الأخيرة، حيث اتّسعت الكلفة الإنسانية وتآكلت القدرة على الاحتمال، من دون أن يقابل ذلك تغيّر ملموس في موازين القوة.

الملاحظ أن التركيز الإسرائيلي المتزايد على مسألة السلاح لا يعكس بالضرورة خشية من قدرات عسكرية قائمة بقدر ما يشير إلى إدراك بتراجع هذه القدرات إلى حدّ الانهيار، ومن هنا يبدو أن الهدف يتجاوز نزع الوسائل العسكرية، ليمتد إلى محاولة تفكيك البنية الأيديولوجية والسياسية لحماس داخل قطاع غزة باعتبارها الإطار الذي يمنح السلاح معناه ودوره. 

 

...